اتص بنا

نظرية الصمت ... أول الطريق الى الديمقراطية أم هي المقبرة لها !؟

في البلدان االتي تمر حياة شعوبها بفترة من الزمن ، وطول المدة تعني الكثير ، وقد تلظت بنيران سلطة النظم الدكتاتورية ، فإن تلك الشعوب تظل على الدوام في إنتظار القادم من الأيام ، والتي ربما تحمل بشارة اليمقراطية لتكون كنظام للمارسة في الحياة السياسية ، وما يظهر من نتائج إيجابية نتيجة تلك السياسة ترتقي بالنهاية بالحياة العامة لمواطني ذلك البلد .
لو إنحدر الحديث بي الى الأمة العراقية ، وتم إستعراض زمن العراق الحديث ، لرأينا العجب في كيفية توالي الأنظمةالدكتاتورية التي حكمت العراق وشعبه ، وكيفيــــة وصول تلك الأنظمة الى مركز القيادة ،ومن ثم الإلتصاق بكرسي الحكم والقيـــــادة ذلك الإلتصاق الإلتصاق الذي يخالف كل القوانين الفيزياويةالتي يندرج تحتها أي إلتصاق .

القيادة في النظم الدكتاتورية والتي حكمت العراق كانت تستند الى نظرية بسيطة جداً ، وتلك النظرية مفادها " إنهض من فراشك ، وعاقب شعبك مباشرة ودون تفكير "والعقاب يتم بدون سبب يذكر ، فقط عاقب لأجل العقاب ، والذي يكون ، سوف يكون مرهون بفكرك أيها الدكتاتور .. فراح البعض منهم يعمل بالفكرة القديمة " فكرة التجويع " في كل شيء ، في الثقافة ، أو الخبر على حد سواء ، وما إن لم تستطع فكرته تلك في أن تؤتي ثمارها ، قرر أن يجهز الجيوش لمعركة تبقيه يمتلك الوقت الذي يجعله حاكم قائم في مكانه لوقت يظنه سيكون طويل .

ذلك ماكان يفكر به آخر دكتاتور حكم العراق بقوة لا تضاهيها أي قوة حكمت في بلد ما من بلدان الدنيا ، لذا أصبح لزاماً على الشعب المحكوم في ظل هذا الحاكم أن يلتزم (الصمت) وإن كان شعب حي ، ولكنه إنحدر نحو حالة الصمت ، رغبة منه للتكيف ، ليحفظ حيويته تلك من الفقدان .
وبمرورالأيام يتقن هذا الشعب المنهاج العملي لنظرية الصمت تلك ، لدرجة يحتار فيها الدكتاتور وأعوانه لما يحصل من حولهم ، ففي زمن الصمت ، يصبح كل شي مفضوحاً أمام عيون من يمارس الصمت ، لإختفاء وجود السواتر التي تمنع الرؤيا ، لأن كل المتحدثين في الجانب المقابل للصامتين في وقتها ، قد قالوا وفعلوا كل شي ، لأمتلاكهم مفتاح الأمان في زمن قد ظنوا إنه زمنهم . ولأن شروط تنفيذ بنود تلك النظرية تختلف من مكان الى آخر داخل البلد الواحد ، وبذلك تصبح فكرة إيجاد الحل بالنسبة للدكتاتور لكي يفهم لما يحصل من حوله مهمة صعبة للغاية . 
ربما يقول أحد الرافضين لموضوعة الصمت تلك ، إن الصمت لم يكن سوى بداية إستسلام الكامل !
فيأتي الجواب ، ولكن الإستسلام يعني فقدان الحيوية ومن ثم الموت لكل شيء حي ولكن الذي يعمل بصمت ، رغم كثرة أوجاعه ، لازال يمتلك الحيوية التي تبقيه سائراً ويراقب بشدة ما يفعله الحاكم الدكتاتور ، ويرصد حالات القوة وأماكن الضعف التي تحصل لديه ،وهذا ما حصل فعلاً ، إذ حينصمت شعب الأمة العراقية طوال سنين طويلة ، قد عرف أين مكامن القوة في النظام الدكتاتوري الذي يحكمه فعمل على إضعافها تماماً ، وعرف أيضاً نقاط الضعف فيه ، فإستفاد منها ، ولذلك حين إستطاعت قوات التحالف الدولي أن تمر بجوار المدن لتصل الى مقام راس النظام الدكتاتوري ، ما هي إلا تطبيق لما سبق الحديث عنه .ولكن ثمةسؤال آخر ، لماذا كل هذا الصمت والإنتظار في زمن الدكتاتور ، لماذا لا تندلع ثورة ؟ فيأتي الجواب على ذلك : ـ
أولاً ــ زمن الثورات الشعبية قد إنتهي لسبب قد عرفه الجميع ، مفاده إن كينونة أي دكتاتور ما ، ترافقها قوة بطش لا تعرف أي معني للأشياء سوى البطش وتحطيم كل شي يقف في طريق مسيرة الحكم الذي إختاره الدكتاتور .
ثانياً ــ لو حدث وقامت ثورة ما في ظل الحكم الدكتاتوري ، فعادة الشعوب الثائرة لاتتفق على إختيار قادتها مسبقاً ، لذلك سرعان ما ينتهي عنفوان الثورة ويتلاشى ، ولو حدث أن تم توكيل مهمة قيادة الثورة الى أشخاص بعينهم ، فهؤلاء سرعان ما ينقضون بإلتزامهم ليكونوا محل الدكتاتور الذي رحل جراء ثورتهم (حسب ظنهم) ليأخذوا كل شي .
ولذلك يقرر الشعب أن يلوذ بالصمت والإنتظار الحقيقي لمعجزة تزيح هذا الدكتاتور من كرسيه ، وتلك المعجزة والتي ما كان لها أن تحدث لولا خطأ ، ولو كان صغير ، قد إرتكبه الدكتاتور بالتزامن مع حالة الصمت التي يعشيها الشعب ، ولكبر ظن الحاكم بعظمته ، يصبح ذلك الخطأ قاتل .
وهذا ما حصل بدكتاتور العراق ، ففي العام 2003 ، حين سقط صنم الدكتاتور في صباح أحد الأيام ، سمعنا وفي نفس الساعة منادياً يقول ، قد جاء زمن الديمقراطية الذي تم إنتظاره ، وفي وقتها عرفت أن الشعب قد أقحم نظرية جديدة في علوم السياسة مفادها " إن الشعب يمكن أن ينتصر لو إتخذ الصمت سلاحاً له " .بعدأن أقتن هذا الشعب العمل بتلك النظرية تماماً .
وبمرور الأيام أصبح المنادي يقول إن الديمقراطية " هي اللعبة الجديدة " بدل الصمت ، واللاعب بها يمكن أن يخسر المباراة ، ولكن في النهاية لا يوجد خاسر، لو إلتزم الخاسر بشروط اللعبة ،وأهم شروطها ، أن تذهب الى بيتك مرتاح البال ، لتأتي في الصباح لتمارس اللعب مجدداً .
وبمرورالأيام أصبح اللعب صعباً في ملعب الديمقراطية ، فا للاعبون قد تدربوا في ملاعب مختلفة ، تختلف بإختلاف مدراسها السياسية ، لذلك حدث أشبه ما يكون بصراع السياسات ، ونتيجة لذلك الصراع ، غابت الديمقراطية في دهاليز معتمة ، ليحل محلها في الحياة العامة حُكم البدلات والسيارات العسكرية المصفحة وقد عادت من جديد ، ويكون تصريح الناطق العسكري هو الأهم . 
قديماً تشكل دليل مفاده أن هنالك تنافر دائم بين حكم الديمقراطية والبندقية ، إذ اساس الثانية ‘نها تستخدم في تنفيذ حكم العسكري ، والعسكري ينتمي الى عالم إسمه الجيش ، والجيش يكمن في تعريفه الأزلي المعروف في العراق "إنه كائن ضعيف يستمد قوته من الضبط العسكري " . 
والذي يحدث يقود الجميع الى الطريق القديم ـ الجديد ، وهو طريق حكم "العسكر" لمجتمع مدني قد تبنى مبدأ الديمقراطية حياة له ، وفي هذا خوف أكثر رهبة من إنتحاري مجرم يحاول تفجيرنفسه بين السائرين في شارع ما.
رغبة البعض (ممن يضمرون الشر) في عودة الخوف مجدداً في النفوس ، وإنتهاج ذلك كسياسة يتم الترويج لها ، هي رغبة مدمرة للقضاء على ملامح الأمل التي بدأت تتكون وبسرعة ، هنا وهناك .
فحين تعلن الشرارة الأولى لقتل الديمقراطية من البعض من رجال الشرطة (وأظن إنه يحدث دون علمهم بالنتيجة السيئة لذلك ) وهم يحملون الهراوات اثناء سيرهم في الشارع يلوحون بها بمتعةٍ تشبه رغبة الإنتقام من خصم ، هي تطبيق فعلي لسياسة الأشرار .. ولا أظن حين خرجوا أفراد الشرطة هؤلاء من ثكناتهم كي يلتقوا السائرين في الشارع ، إن أحداً من قادتهم قال لهم : كونوا أكثرحذراً وأنتم تتعاملون مع السائرين ، وأخفوا أي شيء كونكم تنشرون النظام الذي يسمح للجميع الخروج من بيوتهم ، ليعودوا اليها آمنين .. ولو عرفوا ذلك ، فذلك هو أول الطريق الى الديمقراطية .. ولن نكون بحاجة الى نظرية صمت جديدة .

جميع الحقوق محفوظة 2015 | وكالةالوطن الحرالإخبارية أعلن معنا رخصة الإستخدام والنشر خريطة الموقع سياسة الخصوصية تصميم :القيسي ويب | الأفضل لكم